يمكن تحميل المحاضرة مفرغة ومنسقة من المرفقات
تفريغ المحاضرة
فقه الأبوين عند أبنائهما
فقه الأبوين عند أبنائهم معظمه يدخل تحت مصطلح (البر) .
ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الجليل (بشير) والد النعمان بن بشير رضي الله عنه : أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً ؟ قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَلَا إِذًا . صحيح البخاري (2587) ، صحيح مسلم (1623) .
وقد تنافس السلف في بر آبائهم وحضوا تلاميذهم على ذلك ، وصرحوا بما فعلوه أو وعوه من أجل تعليمهم وتحريضهم على الاقتداء ، فمن ذلك ما رواه ابن المبارك رحمه الله قال : قال محمد بن المنكدر : بتُّ أغمز رجل أمي ، وبات عمر يصلي ليلته ، فما سرني ليلتي بليلته .
فما هو البر ؟
(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) .
عدد الله خصال كثيرة من خصال الخير ، وجعلها هي البر ، فكانت كلاً لا يتجزأ ، ووحدة لا تنفصم ، هذا كله له عنوان واحد هو (البر) أو هو جماع الخير ، أو هو الإيمان كما ورد في بعض الأثر ، والحق أنها خلاصة كاملة للتصور الإسلامي ولمبادئ المنهج الإسلامي المتكامل لا يستقيم بدونها إسلام .
نص شامل من أقوى النصوص المبينة لحقيقة البر الذي هو الإيمان .
إن المسألة (الإيمان) ليست أداء آليا لشعائر التعبد . . فما أبأسها من عبادة .
ولكنها : (أ) أمور اعتقادية داخل القلب ،
(ب) وسمو عملي في واقع الحياة .
1- إيمان شعوري بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ،
2- وإنفاق في سبيل الله . .
3- وإقام الصلاة . .
4- ووفاء بالعهد . .
5- وصبر في البأساء والضراء وحين البأس .
(أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) .
وفي السنة : وعن النَّوَّاسِ بنِ سمعانَ رضي الله عنه قَالَ: سأَلتُ رسُولَ اللَّهِ ﷺ عنِ البِرِّ والإِثمِ فقالَ: البِرُّ: حُسْنُ الخُلُقِ، والإِثمُ: مَا حاكَ فِي نَفْسِكَ، وكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلعَ عَلَيْهِ النَّاسُ . رواهُ مسلم.
هذا تعريف البر في القرآن وفي السنة : (أ) حسن الخلق مع الله ،
(ب) وحسن الخلق مع عباد الله .
أما بر الوالدين فهو بر البر ، فإن الله أمر بالإحسان إليهما ، أي برهما بأحسن البر ، وهو الإحسان فيه ، فقال عز وجل : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً* رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً)
سؤال : فما تعريف الإحسان ؟
الجواب : الإحسان جاء تعريفه في حديث سؤال جبريل، عليه السلام (فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنّه يراك)
رواه مسلم .
سؤال : فما هو جزاء الإحسان ؟
الجواب: جزاء الإحسان جاء في سورة الرحمن (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ )
وفي سورة الأحقاف :
وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ،
والجزاء :
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ۖ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ .
وفي سورة العنكبوت :
(ووَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ۖ وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۚ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) .
وفي سورة لقمان :
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ، وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) .
ففي هذه الآيات من بر الوالدين :
1- حسن الخلق معهما ، بل الإحسان في حسن الخلق معهما ،
أ- ثم ضرب الله لذلك مثلا بأول مراتب الرعاية والأدب : ألاّ يند من الولد ما يدل على الضجر والضيق ، وما يشبه الإهانة وسوء الأدب : (فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا ) .
ب- ومثال آخر للإحسان معهما : أن يكون كلامه لهما يشيءُ بالإكرام والاحترام (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) .
ج- ومثال ثالث للإحسان معهما بخفض جناح الطاعة لهما والاستسلام رحمة بهما (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)
د- ومثال رابع للإحسان معهما ، الدعاء لهما مع تذكر حنانهما ورعايتهما له حال ضعفه في صغره (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً) .
هـ - ومثال خامس للإحسان أنه ربما ند شيء من ذلك فعليك أن تسارع في التوبة والاستغفار (رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُوراً).
2- لكن هذه الطاعة والاستسلام إنما تكون ما لم يأمراه بالإشراك بالله (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) . وعدم الطاعة على الشرك هذا إحسان للوالدين ينفعهما في الآخرة فلا يحملان أوزار أبنائهم . وعبادة الله وعدم الإشراك به مقدم على كل شيء على الإطلاق ، ولا يطاع في مخالفتهما أي أحد على الإطلاق .
3- ومع ذلك يستمر في برهما (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) .
ملاحظة : الاستمرار بالمصاحبة بالمعروف كان في المجتمع المكي ، أما في سورة العنكبوت آيات مدينة في سورة مكية لم يذكره
مجاب الدعاء بسبب بره بأمه
وكانت أم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه معارضة لإسلامه، حيث لمّا علمت بإسلامه هددته أنها لن تأكل وتشرب حتى تموت؛ لكى تجعله يرجع عن الإسلام، فرفض سعد ذلك وأصر على الإسلام، فيقول:[«نزلت هذه الآية فيَّ: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ سورة لقمان: 15. وكنت رجلًا بَرًّا بأَمي، فلما أَسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الدين الذي أَحدثت؟ لتدعن دينك هذا أَو لا آكل ولا أَشرب حتى أَموت فتعير بي. فقال: لا تفعلي يا أُمَّه، فإِني لا أَدع ديني، قال: فمكَثَت يومًا وليلة لا تأَكل، فأَصبحت وقد جَهِدت، فقلت: واللّه لو كانت لك أَلف نفس، فخَرَجَت نَفْسًا نَفْسًا، ما تركت ديني هذا لشَيْءٍ. فلما رأَت ذلك أَكلت وشربت، فأَنزل اللّه هذه الآية.» رواه مسلم
واليوم يسلم من يسلم من الغرب أو الشرق ، ويقف والديه عقبة كأداء في طريقة ، فمنهم من يثبت ويطبق هذه الآية ، ومنهم من يخفي إسلامه ، ومنهم من يهرب ، ويحتاج المسلمون إلى اتخاذ سكن لإيواء المسلمين الجدد في بعض البلدان . اقرأوا أو شاهدوا قصص المسلمين الجدد ترون العجب .
يحرص المسلمون الجدد على هداية والديهم ، ومنهم من ينجح ، ويحرص الوالدان على ردة الأبناء ومنهم من ينجح كذلك للأسف . فنسأل الله الثبات حتى الممات ، وأن يجمعنا بالثابتين في فردوسه . آمين .
وكان سعد ابن أبي وقاص مجاب الدعوة : شَكا أهلُ الكوفةِ سَعدَ بن أبي وقاص إِلى عمرَ رضي الله عنه ، فعزَلَهُ واستعملَ عليهم عَمّاراً ، فشَكَوا حتى ذَكروا أَنّهُ لا يُحسِنُ يُصلّي ، فأَرسلَ إِليه فقال : يا أبا إسحاق ! إنّ هَؤلاء يَزعُمونَ أَنّكَ لا تُحسِنُ تُصلّي ! قال أبو إِسحاق ( سعد ) : أمّا أنا واللهِ فإني كنتُ أُصلي بـهم صلاةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أخرِمُ عنها ، أُصلّي صلاةَ العِشاءِ فأَركُدُ في الأُولَيَيْنِ ، وَأُخِفّ في الأُخرَيَينِ . قال : ذاكَ الظنّ بكَ يا أبا إِسحاقَ ، فأَرسلَ معه رجُلاً – أو رجالاً – إلى الكوفةِ فسألَ عنه أهلَ الكوفةِ ، ولم يَدَعْ مسجداً إِلاّ سـألَ عنه ، وَيُثنونَ مَعروفاً ، حتى دخلَ مسجداً لِبني عبسٍ ، فقامَ رجلٌ منهم يُقالُ له : أُسامةُ بنُ قَتادةَ ، يُكْنىَ أَبا سَعدةَ قال : أمّا إِذ نَشَدْتَنا ! فإِنّ سَعداً كان لا يَسيرُ بالسرِيّةِ ، ولا يَقسِمُ بالسّوِيّة ، ولا يَعدِلُ في القَضيّة .
قال سعدٌ : أَما وَاللهِ لأدْعوَنّ بثَلاثٍ : اللّهمّ إِن كان عبدُكَ هذا كاذباً قامَ رِياءً وَسُمعةً ، فأَطِلْ عمرَهُ ، وَأَطِلْ فَقرَهُ ، وَعَرّضْهُ للفِتَنِ ، وكان بَعدُ إِذا سُئلَ يقول: شَيخٌ كبيرٌ مَفتون أصابَتْني دَعوةُ سعد . قال عبدُ الملكِ بن عمير : فأنا رأيتُه بعدُ قد سَقطَ حاجِباهُ عَلَى عَينيهِ منَ الكِبَرِ ، وإِنه ليَتعرّضُ للجواري في الطّرقِ يغمزهُنّ .
وفي رواية : فما مـات حتى عميَ ، فكان يلتمس الجدران ، وافتقر حتى سأل ، وأدرك فتنة المختار فقُتِلَ فيها . رواه البخاري ومسلم مختصراً . صحيح البخاري (755) ومسلم (453) .
وكان أويس القرني مجاب الدعوة كذلك
كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ t إِذا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمنِ سأَلَهُمْ: "أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟" حتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ رحمه الله، فَقَالَ لَهُ: "أَنْتَ أُوَيْس بْنُ عامِرٍ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟" قَالَ: نعَمْ، قَالَ: "فكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرِئْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "لَكَ والِدَةٌ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: يَأْتِي علَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُو بِها بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّه لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَاسْتَغْفِرْ لي"، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: "أَيْنَ تُرِيدُ؟" قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: "أَلا أَكْتُبُ لَكَ إِلى عَامِلهَا؟" قَالَ: أَكُونُ في غَبْراءِ النَّاسِ أَحبُّ إِلَيَّ.
أشكال من بر الصحابة بآبائهم : حرص الصحابة على هداية آبائهم
حينَ جاءَ أبو بكرِ الصديقُ بأبيهِ أبي قُحافَةَ يومَ فتحِ مكةَ يحملِهُ حتى وضعَهُ بينَ يدَيْ رسولِ اللهِ ورأَى رأَسَهُ كأنَّها الثُّغامَةُ بياضًا قال : غيِّرُوا هذا أيِ الشيبَ وجنِّبوهُ السوادُ . صححه الألباني في غاية المرام .
أُتِيَ بأَبِي قُحَافَةَ يَومَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: غَيِّرُوا هذا بشيءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ. صحيح مسلم (2102) .
وعن عاصم بن عمر أن إسلام عمرو بن الجموح تأخر ، وكان له صنم يقال له مناف ، وكان فتيان بني سلمة قد آمنوا ، فكانوا يمهلون ، حتى إذا ذهب الليل دخلوا بيت صنمه فيطرحونه في أنتن حفرة منكساً ، فإذا أصبح عمرو غمه ذلك ، فيأخذه فيغسله ويطيبه ، ثم يعودون لمثل فعلهم ، فأبصر عمرو شأنه وأسلم ، وقال أبياتا منها :
والله لو كنت إلها لم تكن
أنت وكلب وسط بئر في قرن
أف لمثواك إلها مستدن
فالآن فتشناك عن شر الغبن
والنبي صلى الله عليه وسلم يجتهد على هداية عمه أبي طالب
لَمَّا حَضَرَتْ أبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ دَخَلَ عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، وعِنْدَهُ أبو جَهْلٍ وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ، فَقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أيْ عَمِّ، قُلْ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أُحَاجُّ لكَ بهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَقالَ أبو جَهْلٍ، وعَبْدُ اللَّهِ بنُ أبِي أُمَيَّةَ: يا أبَا طَالِبٍ أتَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَأَسْتَغْفِرَنَّ لكَ ما لَمْ أُنْهَ عَنْكَ، فَنَزَلَتْ: {ما كانَ للنبيِّ والذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي قُرْبَى، مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لهمْ أنَّهُمْ أصْحَابُ الجَحِيمِ} . ( صحيح البخاري (4772)
ويزور قبر أمه : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : َزارَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ، فَقالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ. رواه مسلم
ويأتيه رجل يستأذن في الجهاد : فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ. صحيح البخاري (3004) ، ومسلم (2549)
روى البخاري في "الأدب" -المفرد- والفاكهاني في أخبار مكة : عن أبى بردة، قال: سمعت أبي يحدث (ابن أبي موسى الأشعري، اسمه : الحارث، وقيل :عامر) أنه شهد ابن عُمَرَ ورجلُ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ - حَمَلَ أُمَّهُ وراء ظهره - يقول:
إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُــــذَلَّلُ
إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ
أحملها ما حملتنــــــي أكثر
ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟
قَالَ: لا وَلا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ.
ثُمَّ طَافَ ابْنُ عُمَرَ، فَأَتَى الْمَقَامَ، فَصَلَّى ركعتين، ثم قال: يا ابن أَبِي مُوسَى إِنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ تُكّفِران مَا أمامهما. صححه الألباني .
سؤال عجيب :
يا رسولَ اللهِ هل بقِيَ لوالدِيَ شيءٌ أبرُّهما به بعدَ موتِهما؟ فقال عليهِ الصلاةُ والسلامُ : نعم الصلاةُ عليهما والاستغفارُ لهما وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهما وإكرامُ صديقِهما وصلةُ الرحمِ التي لا تُوصَلُ إلا بهما .
أخرجه ابن حيان وغيره من حديث مالك بن ربيعة الأسلمي وحكم على سنده ابن باز بأنه ثابت . انظر الدرر السنية .
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه : أنَّهُ كانَ إذَا خَرَجَ إلى مَكَّةَ، كانَ له حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عليه، إذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بهَا رَأْسَهُ، فَبيْنَا هو يَوْمًا علَى ذلكَ الحِمَارِ، إذْ مَرَّ به أَعْرَابِيٌّ، فَقالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بنِ فُلَانٍ، قالَ: بَلَى، فأعْطَاهُ الحِمَارَ، وَقالَ: ارْكَبْ هذا وَالْعِمَامَةَ، قالَ: اشْدُدْ بهَا رَأْسَكَ، فَقالَ له: بَعْضُ أَصْحَابِهِ غَفَرَ اللَّهُ لكَ أَعْطَيْتَ هذا الأعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عليه، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بهَا رَأْسَكَ، فَقالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وإنَّ أَبَاهُ كانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ.
مسائل أخرى من فقه الأبوين
الحضانة :
من المسائل التي ناقشها العلماء : هل الحضانة حق للأم أم حق للطفل ؟
المذهب الأول : وهو اختيار الحنفية والشافعية ، قالوا : إن الحضانة حق للولد ، وعليه فإن الحاضنة ، وهي الأم في الأحوال العادية تجبر إذا امتنعت عن الحضانة .
الدليل 1: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنه : أنَّ امرأةً أتَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَتْ يا رسولَ اللهِ ابْنِي هَذَا كانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وحَجْرِي له حِوَاءً وثَدْيِيِ لَهُ سِقَاءً وزَعَمَ أَبوهُ أَنَّهُ يَنْزِعُهُ مِنِّي . قال : أنتَ أَحَقُّ بِهِ مَا لم تَنْكِحِي .
الدليل 2 : كما استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه .
المذهب الثاني : أن الحضانة حق للأم ، وعليه فلا تجبر إن امتنعت ، لأنها إنما تكون تنازلت عن حقها ، وأسقطته ، ولصاحب الحق إسقاط حقه والتنازل عنه فلا يتمتع به .
الدليل : قوله تعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ) .
الراجح أن الحضانة تتنازعها ثلاثة حقوق :
الأول : حق للولد وهو ظاهر ، فإنه إن لم نقل بوجوبه فإنه يضيع ، والقاعدة : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . فتكون الحضانة بهذا حق للطفل واجب على الوالدين .
الثاني : كما أن فيها حق للأم : للآية والحديث السابقين .
وجه الدلالة : بأن لها أن تنكح ، فإذا نكحت تكون أسقطت حقها في الحضانة .
الثالث: كما أن فيها حق للأب : فهو عليه نفقة الرضاعة ، فيكون له حق في حضانة ولده ، ولذا قال الله تعالى : (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ) وقال : (وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ)
وجه الدلالة : في قوله تعال (له ) أي للأب أن يختار مرضعة أخرى .
لكن نقل ابن المنذر الإجماع أن الأم أحق بحضانة ولدها ما لم تنكح . قال ابن المنذر : وأجمعوا على أنه لا حق للأم في الولد إذا تزوجت ، لكن إن تزوجت ولم يوجد حاضنة أخرى ورضي زوجها ، ورضي أبوه أن تحضنه فالشأن شأنهم . والله أعلم .
المطاوعة
عن عبد الله بن عمرو : جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ إنَّ أبي اجتاحَ مالي . فقالَ صلى الله عليه وسلم : أنتَ ومالُكَ لأبيكَ . وقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ أولادَكم من أطيبِ كسبِكُم فَكلوا من أموالِهم . رواه ابن ماجه وصححه العلماء .
قال ابن بطال : يريد البر والمطاوعة لا في اللازم ، لا في القضاء .
والأم لها هذا الحق كذلك ، ويكفي دليلا حديث ( من أحق الناس بحسن صحابتي ) .
نصيب الأبوين في تركة الأبناء
(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ).
1-فجعل سبحانه نصيب الأبوين في حال عدم وجود ولد أن ترث الأم الثلث ، وأما الثلثان الباقيان فللأب .
2-وفي حال وجود الأبناء فإن نصيب كل من الأم والأب لا ينقص عن السدس .
3- وفي حال عدم وجود الأبناء لكن وجد إخوة فأنهم يحجبون الأم إلى السدس .
ويعلل الله لهذه القسمة بالنفع الذي سيلحق المرء من أبويه وأبنائه (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) .
سؤال اختبار / توفي عن أم وأب وبنت :
الجواب :
(أ) للبنت الربع فرضا، وللأم السدس وللأب الباقي تعصيبا .
(ب) للبنت النصف فرضا، وللأم السدس وللأب الباقي تعصيبا .
(ج) للبنت النصف فرضا ، وللأب السدس فرضا ، وللأم السدس فرضا.
(د) للبنت الربع فرضا ، وللأم السدس فرضا ، وللأب الباقي فرضا .
(هـ) للبنت النصف ، وللأم السدس وللأب السدس فرضا والباقي تعصيبا .
سؤال اختبار : ما علاقة البر بالأبوين ؟
الجواب /
أ- يعامل الابن أبويه بمطلق البر.
ب- يعامل الابن أبويه بالإحسان وهو أحسن وأفضل البر .
ج- لا علاقة بين البر والإحسان .
د- (أ) ، و(ب)
هـ - لا شيء مما سبق
سؤال اختبار : من أحق بالحضانة ؟
الجوب /
أ- الراجح أنها حق للأم
ب- الراجح أنها حق للطفل
ج- الراجع أنها حق للأب
د- يتنازعها ثلاثة حقوق
هـ لا شيء مما سبق .
سؤال اختبار : ما هو سبب زيارة النبي صلى الله عليه قبر أمه ؟
الجواب /
أ- زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه من أجل أن يستغفر لها ويدعو لها
ب- زار قبر أمه من أجل برها وتذكر الموت
ج- زار قبر أمه من دون أن يستأذن من ربه .
د- أذن الله له في الاستغفار لأمه .
هـ جميع ما سبق .
سؤال اختبار : ماذا نفهم من قصة أويس القرني وسعد بن أبي وقاص ؟
الجواب /
أ- أن بر الوالدين سبب لطول العمر
ب- سبب لكثر الذرية
ج- سبب لإجابة الدعاء
د- جميع ما سبق
هـ - لا شيء مما سبق
سؤال اختبار : على ماذا استدل العلماء بحديث النعمان بن بشير ؟
الجواب /
أ- استدل به العلماء على أن حقوق الأبوين على الأبناء كلها تدخل تحت مسمى البر
ب- ب- استدل به بعض العلماء على وجوب المساواة بين الأبناء في العطايا والهدايا
ج- استدل به بعض العلماء على جواز التفريق في العطايا
د- جميع ما سبق
هـ - لا شيء مما سبق .
سؤال اختبار : ما هو البر ؟
الجواب /
أ- إيمان شعوري بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ،
ب- إنفاق في سبيل الله . . وإقام الصلاة .
ج- وفاء بالعهد . وصبر في البأساء والضراء وحين البأس .
د - جميع ما سبق .
هـ - لا شيء مما سبق .
سؤال اختبار : كم حالة للوالدين في الميراث من أبنائهم وكم نصيب ؟
الجواب :
أ- للوالدين حال واحدة ونصيب واحد فرضا.
ب- للوالدين حالين ونصيبين فرضا.
ج- للوالدين ثلاث حالات وثلاثة أنصبة فرضا .
د- للوالدين ثلاث حالات ونصيبين فرضا .
هـ - فقط (أ) ، و (ب) .
الواجب
ابحث عن معنى وشرح أنتَ ومالُكَ لأبيكَ ولخصه إن أمكن .